الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال : ابك بكت عيناك ثم تبادرت * بدم تُعل غروبها سجام ماذا بكيت به الذين تتابعوا * هلا ذكرت مكارم الأقوام وذكرت منا ماجدا ذا همة * سمح الخلائق صادق الإقدام أعني النبي أخا المكارم والندى * وأبرَّ من يولي على الإقسام فلمثله ولمثل ما يدعو له * كان المُمدَّح ثمَّ غير كهام وقال حسَّان بن ثابت الأنصاري أيضاً : تبلتْ فؤادَك في المنام خريدة * تسقي الضجيع ببارد بسام كالمسك تخلطه بماء سحابة * أو عاتق كدم الذبيح مدام نُفُجُ الحقيبة بُوصها مُتنضّد * بلهاء غير وشيكة الأقسام بُنيت على قطن أجم كأنه * فضلا إذا قعدت مداك رُخام وتكاد تكسل أن تجيء فراشها * في جسم خرعبة وحسن قوام أما النهار فلا أُفتر ذكرها * والليل توزعني بها أحلامي أقسمت أنساها وأترك ذكرها * حتى تغيب في الضريح عظامي يا من لعاذلة تلوم سفاهة * ولقد عصيت على الهوى لوامي بكرت علي بسحرة بعد الكرى * وتقارب من حادث الأيام زعمت بأن المرء يكرب عمره * عدم لمعتكر من الأصرام إن كنت كاذبة الذي حدثتني * فنجوت منجا الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم * ونجا برأس طمرة ولجام تذر العناجيج الجياد بقفرة * مر الدموك بمحصدٍ ورجام ملأت به الفرجين فارمَدَّت به * وثوى أحبته بشر مقام وبنو أبيه ورهطه في معرك * نصر الإله به ذوي الإسلام طحنتهم ، والله ينفذ أمره ، * حرب يُشَبُّ سعيرها بضرام لولا الإله وجريها لتركنه * جزر السباع ودسنه بحوام من بين مأسور يشد وثاقه * صقر إذا لاقى الأسنة حامي ومجدل لا يستجيب لدعوة * حتى تزول شوامخ الأعلام بالعار والذل المبيَّن إذ رأى * بيض السيوف تسوق كل همام بيدي أغر إذا انتمى لم يخزه * نسب القصار سمَيدع مقدام بيض إذا لاقت حديدا صممت * كالبرق تحت ظلال كل غمام فأجابه الحارث ابن هشام فيما ذكر ابن هشام ، فقال : الله أعلم ما تركت قتالهم * حتى حبوا مهري بأشقر مزبد وعرفت أني إن أقاتل واحدا * أقتل ولا ينكى عدوي مشهدي فصددت عنهم والأحبة فيهم * طمعا لهم بعقاب يوم مفسد قال ابن إسحاق : قالها الحارث يعتذر من فراره يوم بدر . قال ابن هشام : تركنا من قصيدة حسَّان ثلاثة أبيات من آخرها ، لأنه أقذع فيها . قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاًً : لقد علمت قريش يوم بدر * غداة الأسر والقتل الشديد بأنا حين تشتجر العَوَالىَ * حماةُ الحرب يوم أبى الوليد قتلنا ابني ربيعة يوم سارا * إلينا في مضاعفة الحديد وفر بها حكيم يوم جالت * بنو النجار تخطر كالأسود وولت عند ذاك جموع فهر * وأسلمها الحويرث من بعيد لقد لاقيتم ذلا وقتلا جهيزا * نافذا تحت الوريد وكل القوم قد ولوا جميعا * ولم يلووا على الحسب التليد وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يا حار قد عولت غير معول * عند الهياج وساعة الأحساب إذ تمتطى سرح اليدين نجيبةً * مرطى الجراء طويلة الأقراب والقوم خلفك قد تركت قتالهم * ترجو النجاء وليس حين ذهاب ألا عطفت على ابن أمك إذ ثوى * قَعْص الأسنة ضائع الأسلاب عجل المليك له فأهلك جمعه * بشنار مخزية وسوء عذاب قال ابن هشام : تركنا منها بيتا واحدا أقذع فيه . قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً : قال ابن هشام : ويقال : بل قالها عبدالله بن الحارث السهمي : مستشعري حلق الماذيّ يقدمهم * جلد النحيزة ماض غير رعديد أعنى رسول إله الخلق فضَّله * على البرية بالتقوى وبالجود وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم * وماء بدر زعمتم غير مورود ثم وردنا ولم نسمع لقولكم * حتى شربنا رواء غير تصريد مستعصمين بحبل غير منجذم مستحكم من حبال الله ممدود * فينا الرسول وفينا الحق نتبعه * حتى الممات ونصر غير محدود واف وماض شهاب يستضاء به * بدر أنار على كل الأماجيد قال ابن هشام : بيته : " مستعصمين بحبل غير منجذم " عن أبي زيد الأنصاري ، قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً : خابت بنو أسد وآب غزيهم * يوم القليب بسوءة وفضوح منهم أبو العاصي تجدل مقعصا * عن ظهر صادقه النجاء سبوح حينا له من مانع بسلاحه * لما ثوى بمقامه المذبوح والمرء زمعة قد تركن * ونحره يدمى بعاند معبط مسفوح متوسدا حر الجبين معفرا * قد عر مارن انفه بقبوح ونجا ابن قيس في بقية رهطه * بشفا الرماق موليا بجروح وقال حسَّان بن ثابت أيضاً : ألا ليت شعري هل أتى أهل مكة * أبارتنا الكفار في ساعة العسر قتلنا سراة القوم عند مجالنا * فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر قتلنا أبا جهل وعتبة قبله * وشيبة يكبو لليدين وللنحر قتلنا سويدا ثم عتبة بعده * وطعمة أيضاً عند ثائرة القتر فكم قد قتلنا من كريم مرزَّءٍ* له حسب في قومه نابه الذكر تركناهم للعاويات ينبنهم * ويصلون نارا بعد حامية القعر لعمرك ماحامت فوارس مالك * وأشياعهم يوم التقينا على بدر قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته : قتلنا أبا جهل وعتبة قبله * وشيبة يكبو لليدين وللنحر قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً : نجى حكيما يوم بدر شده * كنجاء مهر من بنات الأعوج لما رأى بدرا تسيل جلاهه * بكتيبة خضراء من بلخزرج لا ينكلون إذا لقوا أعداءهم * يمشون عائدة الطريق المنهج كم فيهم من ماجد ذي منعة * بطل بمهلكة الجبان المحرج ومسود يعطي الجزيل بكفه * حمال أثقال الديات متوج زين الندي معاود يوم الوغى* ضرب الكُماة بكل أبيض سَلجج قال ابن هشام : قوله سلجج ، عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال حسَّان أيضاً : فما نخشى بحول الله قوما * وإن كثروا وأجمعت الزحوف إذا ما ألبو جمعا علينا * كفانا حدهم رب رءوف سمونا يوم بدر بالعوالي * سراعا ما تضعضعنا الحتوف فلم تر عصبة في الناس أنكى * لمن عادوا إذا لقحت كشوف ولكنا توكلنا وقلنا * مآثرنا ومعقلنا السيوف لقيناهم بها لما سمونا * ونحن عصابة وهم ألوف وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ، يهجو بني جمح ومن أصيب منهم : جمحت بنو جمح لشقوة جدهم * إن الذليل موكل بذليل قتلت بنو جمح ببدر عنوة * وتخاذلوا سعيا بكل سبيل جحدوا الكتاب وكذبوا بمحمد * والله يظهر دين كل رسول لعن الإله أبا خزيمة وابنه * والخالدين وصاعد بن عقيل قال ابن إسحاق : وقال عبيدة بن الحارث بن المطلب في يوم بدر ، وفي قطع رجله حين أصيب في مبارزته هو وحمزة وعلي حين بارزوا عدوهم - قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لعبيدة : ستبلغ عنا أهل مكة وقعة * يهب لها من كان عن ذاك نائيا بعتبة إذ ولى وشيبة بعده * وما كان فيها بكر عتبة راضي فإن تقطعوا رجلي فإني مسلم * أرجي بها عيشا من الله دانيا مع الحور امثال التماثيل أخلصت * مع الجنة العليا لمن كان عاليا وبعث بها عيشا تعرقت صفوه * وعالجته حتى فقدت الأدانيا فأكرمني الرحمن من فضل منه * بثوب من الإسلام غطى المساويا وما كان مكروها إلي قتالهم * غداة دعا الأكفاء من كان داعيا ولم يبغ إذ سالو النبي سواءنا * ثلاثتنا حتى حضرنا المناديا لقيناهم كالأسد تخطر بالقنا * نقاتل في الرحمن من كان عاصيا فما برحت أقدامنا من مقامنا * ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا قال ابن هشام : لما أصيبت رجل عبيدة قال : أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق منه بما قال حين يقول : كذبتم وبيت الله يُبزَى محمد * ولما نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرَّع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل وهذان البيتان في قصيدة لأبي طالب ، وقد ذكرناها فيما مضى من هذا الكتاب . رثاء كعب بن مالك لعبيدة بن الحارث قال ابن إسحاق : فلما هلك عبيدة بن الحارث من مصاب رجله يوم بدر . قال كعب بن مالك الأنصاري يبكيه : أيا عين جودي ولا تبخلي * بدمعك حقا ولا تَنـُزِري على سيد هدَّنا هلكه * كريم المشاهد والعنصر جريء المقدم شاكي السلام * كريم النثا طيب المكسر عبيدة أمسى ولا نرتجيه * لعرف عرانا ولا منكر وقد كان يحمي غداة القتا * ل حامية الجيش بالمبتر وقال كعب بن مالك أيضاً في يوم بدر : ألا هل أتى غسان في نأي دارها فينأى داراها وأخبر شيء بالأمور عليهما بأن قد رمتنا عن قسي عداوة * معد معا جهالها وحليمها لأنا عبدنا الله لم نرج غيره * رجاء الجنان إذ أتانا زعيمها نبي له في قومه إرث عزة * وأعراق صدق هذبتها أرومها فساورا وسرنا فالتقينا كأننا * أسود لقاء لا يرجى كليمها ضربناهم حتى هوى في مكرنا * لمنحر نحر سوء من لؤي عظيمها فولوا ودسناهم ببيض صوارم * سواء علينا حلفها وصميمها وقال كعب بن مالك أيضاً : لعمر أبيكما يا بني لؤي * على زهو لديكم وانتخاء لما حامت فوارسكم ببدر * ولا صبروا به عند اللقاء وردناه بنور الله يجلو * دجى الظلماء عنا والغطاء رسول الله يقدمنا بأمر * من أمر الله أحكم بالقضاء فما ظفرت فوراسكم ببدر * وما رجعوا إليكم بالسواء فلا تعجل أبا سفيان وارقب * جياد الخيل تطلع من كداء بنصر الله روح القدس فيها * وميكال فياطيب الملاء وقال طالب بن أبي طالب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي أصحاب القليب من قريش يوم بدر ألا إن عيني أنفدت دمعها سكبا * تبكَّىعلى كعب وما إن ترى كعبا ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا * وأرداهم ذا الدهر واجترحوا ذنبا وعامر تبكي للملمات غدوة * فيا ليت شعري هل أرى لهما قربا هما أخوايَ لن يعدَّا لغية * تعد ولن يستام جارهما غصبا فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا * فدا لكما لا تبعثوا بيننا حربا ولا تصبحوا من بعد ود وألفة * أحاديث فيها كلكم يشتكى النكبا ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * وجيش أبي يكسوم إذ مَلؤوا الشعبا فلولا دفاع الله لا شيء غيره * لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا فما إن جنينا في قريش عظيمة * سوى أن حمينا خير من وطىء التربا أخا ثقة في النائبات مرزا * كريما نثاه لا بخيلا ولا ذربا يطيف به العافون يغشون بابه * يؤمون بحرا لا نزورا ولا صربا فوالله لا تنفك نفسي حزينة * تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا وقال ضرار بن الخطاب الفهري يرثي أبا جهل : ألا من لعين باتت الليل لم تنم * تراقب نجما في سواد من الظلم كأن قذى فيها وليس بها قذى * سوى عبرة من جائل الدمع تنسجم فبلغ قريشا أن خير نديها * وأكرم من يمشي بساق على قدم ثوى يوم بدر رهن خوصاء رهنها * كريم المساعي غير وغد ولا برم فآليت لا تنفك عني بعبرة * على هالك بعد الرئيس أبي الحكم على هالك أشجى لؤي بن غالب * أتته المنايا يوم بدر فلم يرم ترى كسر الخطي في نحر مهره * لدى بائن من لحمه بينها خذم وما كان ليث ساكن بطن بيشة * لدى غلل يجري ببطحاء في أجم بأجرأ منه حين تختلف القنا * وتدعى نزال في القماقمة البهم فلا تجزعوا آل المغيرة واصبروا * عليه ومن يجزع عليه فلم يلم وجدوا فإن الموت مكرمة لكم * وما بعده في أخر العيش من ندم وقد قلت إن الريح طيبة لكم * وعز المقام غير شك لذي فهم قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار . قال ابن إسحاق : وقال الحارث ابن هشام يبكي أخاه أبا جهل ألا يا لهف نفسي بعد عمر * وهل يغني التلهف من قتيل يخبرني المخبر أن عمرا * أمام القوم في جفر محيل فقدما كنت أحسب ذاك حقا * وأنت لما تقدم غير فيل وكنت بنعمة ما دمت حيا * فقد خلفت في درج المسيل كأني حين أمسي لا أراه * ضعيف العقد ذو هم طويل على عمرو إذا أمسيت يوما * وطرف من تذكره كليل قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها للحارث بن هشام ؛ وقوله : " في جفر " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال أبو بكر بن الأسود بن شعوب الليثي ، وهو شداد بن الأسود : تحيي بالسلامة أم بكر * وهل لي بعد قومي من سلام فماذا بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام وماذا بالقليب قليب بدر * من الشيزى تكلل بالسنام وكم لك بالطوي طوي بدر * من الحومات والنعم المسام وكم لك بالطوي طوي بدر * من الغايات والدسع العظام وأصحاب الكريم أبي علي * أخي الكاس الكريم والندام وإنك لو رأيت أبا عقيل * واصحاب الثنية من نعام إذا لظللت من وجد عليهم * كأم السقب جائلة المرام يخبرنا الرسول لسوف نحيا * وكيف لقاء أصداء وهام قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة النحوي : يخبرنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام قال : وكان قد أسلم ثم ارتد .
|